التطبير
من جملة التقاليد الشائعة في بعض المدن والبلدان الشيعية ، ويمارسه بعض الأشخاص حزنا على مصيبة أبي عبد الله عليه السلام وتأسيا بجرح واستشهاد الحسين عليه السلام وشهداء كر بلاء ، وإعلانا للاستعداد لبذل الدماء والتضحية على طريق الإمام الحسين عليه السلام .
ففي الصباح المبكر من يوم العاشر من المحرم يرتدي بعض الأشخاص رداءً أبيضاً طويلا أشبه ما يكون بالكفن ويخرجون جماعة ويضربون على رؤوسهم بسيوف قصيرة فتسيل الدماء من الرؤوس على الوجوه وعلى الثياب البيضاء، والبعض من الناس ينذر انه إذا تحققت رغبته أن "يطبّر" ، وبعض الناس ينذر عن الأطفال الصغار فيضربون على رؤوسهم بالمدي حتى تسيل الدماء من رؤوسهم .
والتطبير ، شأنه شأن الضرب بالسلاسل ، والتشابيه و … الخ كان منذ القديم موضع اختلاف بين العلماء والأتباع والمقلّدين ، وكثر الاستفتاء والإفتاء في جوازه أو عدمه ، وهذه الشعائر ليس لها أساس ديني من الوجهة الشرعية ، وإنما تجري وفقا لما يكنّه الشيعة من محبة لأبي عبدالله الحسين عليه السلام، والعلماء يجيزونها في حالة عدم ضررها ، بينما لا يجيزها عدد آخر من الفقهاء بسبب تأثيراتها السلبية على أفكار الآخرين ، وما توجبه من وهن المذهب ، والظروف الزمانية لها دورها أيضا في هذا المجال ، أجاب أحد الفقهاء على السؤال الذي وجه إليه بهذا الخصوص قائلا : "في الظروف الحالية لا ينبغي التطبير …" .
وقال فقيه آخر لدى لقائه بعلماء الدين على أعتاب أيام محرم عام 1994م ضمن حديث مسهب بخصوص إزالة الخرافات من شعائر العزاء على سيد الشهداء عليه السلام وقال " إن التطبير من الممارسات السلبية ، … ومن الخطأ أن يمسك جماعة بالسيوف ويضربون على رؤوسهم حتى تسيل الدماء .
وأي جانب من هذه الممارسة يرتبط بالعزاء ؟ هذا تزوير ، وهذا من جملة الأمور التي لا تمتُّ إلى الدين بصلة …" واعتبره بدعة وخرافة . وأجاب على سؤال إمام جمعة اردبيل : أن هذا العمل ينطوي اليوم على ضرر فادح . ولهذا فإنّ التطبير العلني المشفوع بالتظاهر بهذا العمل حرام وممنوع . وتأييداً لهذا الموقف اعتبره العلماء الآخرون أيضاً غير مشروع، وسبباً في وهن المذهب.
من الطبيعي إن أمثال هذه المشاعر الدينية التي تؤدي فيها محبّة الحسين عليه السلام إلى ممارسة هذه الأعمال يجب أن توجه في المسار الصحيح وتستثمر بشكل إيجابي لتكون سببا في زيادة أسباب الحماس وخلق حوافز الجهاد والشهادة ، إضافة إلى ذلك فان الأشخاص المستعدين لتقديم الدماء في سبيل الحسين عليه السلام ما أجمل بهم أن يقدّموها إلى المستشفيات ومصارف الدم . أو تستحدث مصارف لأخذ الدم من المتبرعين والمحسنين في يوم عاشوراء وتحفظ ويُستفاد منها في إنقاذ أرواح الكثير من الناس الذين يحتاجون إلى الدم .
إن هذه العمل وإن كان لا يشبع المشاعر العاطفية لدى الفرد – كما يحصل في التطبير – ولكن من المؤكد أنّ فيها رضىً من الله أكثر وقبولا أوفر من الشهداء عليه السلام ويا ليت التصدّق بالدم يصبح يوماً ما متعارفا وشائعا مثل التصدق بالمال وبالثياب وبالطعام ، وأن يؤدي بقصد القربة إلى الله تعالى .